لما سمع ابو ورقة عن مرض سلمى.. ارتعب وعلاه الخوف والشفقة عليها ..
وقال ليوسف .. اخبرني ياعماه مم تشكي سلمى ..
قال له انها يتملكها الخوف.. كلما خرجت من غرفتها.. وترتعد فرائصها .. وربما تصرخ ويغمى عليها .. من شدة الخوف ..
ولكنها في غرفتها لاتشتكي من شي .. تأكل وتنام جيدا .. وتصلي فروضها.. وتتنفل.. وتقرأ القران .. حتى انها حفظت كتاب الله كاملا ..
ولكنها لاتستطيع الخروج من قوقعها ..
قال له ولكن ياعماه ما الذي يخيفها ؟.. قال له هي تذكر انها كلما خرجت من غرفتها .. ترى غرابا" مخيفا يطاردها.. حتى تدخل غرفتها .. وهي على يقين انه مرسل اليها ليؤذيها .. ولكننا لم نرى هذا الغراب يوما .
وكثيرا تتخيل اشياء.. لا واقع لها وترى أشخاصا ..
ونعتقد أنها تتوهم الأمر.. وهي مجرد خيالات.. لا علاقة لها بالواقع ..
وقد سعينا لها بكل سعي .. ولم نجد لها دواء ..
قال له ياعماه هل لي ان اراها قبل ان أسافر؟
قال اذهب ال مهمتك المكلف بها .. وبعد أن ترجع منتصرا باذن الله
ونشاورها في لقاءك.. فان سمحت لنا اذنا لك ..
قال له سمعا وطاعة .. الآن ياعماه لابد ان انتصر.. واتي بالابل وانا سليم معافى ..
قال له يوسف.. لابد ان تنهي مهمتك قبل اسبوع.. حتى تحضر عرس اخيك . الاكبر بعد عشرة ايام ..
قال له ان شاء الله .. ساكمل المهمة في اقل من اسبوع
المسيرة ثلاث ايام ذهابا وثلاث ايابا" .. وسأتخلص من اللصوص في يوم واحد .. بإذن الله ..
وركب سعد بن ورقة.. وعمره حينها في نهاية السابعة عشر .. ولكنه في جسد فارس .. وقوة محارب عظيم ..
وركب الفرس الاسود.. الذي كان يراقبه من خمس سنوات .. صحيح ان الفرس اصابه الوهن.. ولكنه مازال جموحا لايقهر ..
وحمل سيف يوسف التيمي .. والسيف الذي خاض اكثر من ثلاثين حربا مابين صد وغارة . حمل ابن ورقة معه الزاد الكافي.. وماء في شن ( سعن) ..
وركب الريح.. وتوجه في اتجاه الشرق الشمالي.. الى اولئك البدو المتفلتين .. وكان يعرف الطرق .. فهو بن البادية الذي يعرف اسماء الجبال والوديان .. فلن يضل في طريقه ..
بعد مسيرة يوم كامل .. وفي المساء بعد ان اسدل الليل ستوره .. وتسربلت الارض بغطاء الظلام .. تعب ونزل منزلا عل بطن وادي ..
وربط فرسه .. وصلى المغرب والعشاء.. وافترش بردة كانت معه واضجع لينام .. فسمع اصوات قريبة منه ..
اصوات غناء وطرب.. وصفير وصياح غريب.. لم يسمع مثله من قبل ..
فقام وتلفت يمينا وشمالا.. ولم ير احد ولكن الاصوات قريبة جدا ..
فعرف بما لايدع مجالا للشك.. ان هولاء هم الجن .. لان تلك الاودية معروفة انها مأهولة بالجن .. فهي تسمى ربع الارض الخالي ..
وفيها وادي عبقر.. ووادي الهواشير .. وتخوم الجن .. وجبل الشيطان ..
وكل هذه التسميات.. تدل عل الناس رأوا فيها الجن.. فاطلقو على البقاع هذه الاسماء ..
قام سعد بن ورقة من مكانه.. وحل رباط فرسه .. وذهب الى وادي اخر ..
ولكنه مالبث كثير.. فسمع تلك الاصوات تقترب منه.. مرة اخرى ..
فصاح فيهم.. وقال اذهبوا بعيدا.. فاني اريد ان انام.. اليس لديكم اكرام لضيف؟ ولا عابر سبيل؟ .. اهكذا ترعجون المسافر؟
انصرفوا ال مكان اخر .. فقال له احدهم .. انت جئت الينا .. ونحن لم نأت اليك .. فارتحل ..
قال له ان كنت رجلا حقيقيا.. فاظهر نفسك ولا تتكلم معي مختفي مثل الجبناء.. فظهر له رجل في الثلاثين من عمره.. في بنية قوية .. وجسد ممشوق .. تلمع عيناهو كانها جمرتين .. ويحمل سيفا يبرق كألذهب ..وقال له انت تصفني بالجبان في ارضي وامام قومي؟
والله لن اتركك .. هلمو ايها الابطال .. فظهر قريب الاربعين من الفرسان على هيئة هذا الاول .. فقال لهم ابن ورقة من اي القوم انتم .. قال له نحن من قبيلة فزام .. الم تسمع بابي نهشل الفزامي ..
قال لا والله ماسمعت بالرجل ولا بالقبيلة ..
هل انت من الجن ام من الانس .. فقال له نحن لانجيبك عل سؤال ايها المعتدي ..
اقبضوا عليه .. فاجتمع الفرسان عل ابن ورقة .. فاستل سيفه وبدا يضرب يمينا وشمالا .. ولكن الضرب لايصيبهم .. فهو يضرب في الهواء وهم يضحكون عليه .. وحتى الان لم يعلم هل هم جن او سحرة من سحرة الصحراء ..
ولكنهم استطاعو ان يمسكو به.. فلما مست ايدهم جسده انشل ولم يستطع المقاومة .. واصبح لايستطيع ان يحرك يدا ولا رجلا .. ثم اخذوه ووثقوهو بالسلاسل ..وحملو وساقو فرسه الى جبل وادخلوه هو والفرس في غار في بطن ذلك الجبل .. ثم اجتمعوا علل صخرة كبيرة .. فسدوا بها الغار حت لايراه احد لو مر بالجبل
وليس هنالك اصلا انسي يمر بالمكان .. من مئات السنين .. وبعد ان اغلقوا عليه الغار هو وفرسه تركوه وذهبوا .. والوقت ليس فيه قمر مكتمل ..
فلما التفت ابن ورقة ال لم يجد اي وثاق ولا اثر ربط عل يديه وقدميه .. فما اصبح علي الصبح رأ انوار الفجر تلوح من اطرف الصخرة التي سدت الغار .. قام وصلي واخرج شيئأ من زاده فاكل واعطى الفرس من زاد كان يحمله له من الحنظة والشعير .. واكل.. وشرب قليلا وسقى الفرس ..