الجمعة، أكتوبر 25

تابع قصة جبل الجن#6


جبل الجن
الجزء6#


بعد دخول الطبيب#على محمد أكد بأنه يجب نقله إلى المستشفى لعمل تحاليل دقيقة، فنقل محمد إلى المشفى تحت حراسة مشددة، وعند العودة للمركز أكد الطبيب للملازم أن محمدا يعاني من التهاب الكبد الوبائي، وأمراض أخرى، وأن حالته لا تسمح له بالبقاء هنا، ولكن الملازم رفض خروجه لما قد يترتب على ذلك من أحداث كبيرة.


ذهب الطبيب وهو يهدد الملازم بافتضاح أمره، وخرج من عنده وهو يتوعد ويندد، فأخذ الملازم يبكي وهو لا يدري ماذا يفعل، فذهب إلى محمد الذي سأله بدوره عن سبب بكائه، فأجابه قائلًا:

أعلم انني قد ضغطت عليك كثيرًا وحملتك فوق طاقتك مع إصابتك بعدد من الأمراض، لكني لا أستطيع إخراجك من هنا حتى إنهاء التحقيق.

فرد محمد بأن التحقيق قد انتهى ولم يبق شيء تسمعه مني، فأجاب الملازم:

هذا صحيح لكن لا أستطيع إخراجك لتواجه الناس الذين لم يسمعوا شيئًا مما حدث لك، فقد يكون في ذلك خطر على حياتهم، لذلك سأرفع أوراقك للجهات المعنية لتنظر في أمرك وتقرر ما ينبغي فعله.

فقال محمد:
لا فرق عندي في الحياة هنا أو هناك فقد انتهت الحياة بالنسبة لي.

خرج الملازم مكتئبًا وهو يريد المضي في الإجراءات، ونام محمد وشاهد في المنام ناصر وهو يتوعدها ويصرخ في وجهه، وشاهد الطفل الذي مات في الجبل ابن الجنية، ثم شاهد أخيرًا الجنية التي تسكن جسده وهي تبكي وتلمس وجهه ودموعها تتساقط على وجه محمد، فنظر إليها وهو يبتسم فاختفت فجأةً ففزع من نومه وهو ينتظر مصيره المجهول

دخل الملازم على محمد في الحبس، فأخبره محمد بأنه يرى كوابيس مرعبة في المنام، فقال له الملازم:
لا تقلق يجب أن ترتاح الآن وسأتصل بشيخ في هذه القرية.

عاد محمد إلى نومه وهو يتمتم بكلمات لم يفهم منها الملازم شيئًا سوى:
حياة، موت، عذاب.

اتصل الملازم بأحد شيوخ القرية مما اشتهر عنهم علاج المس بالقرآن الكريم، وما أن سمع الشيخ بالقصة العجيبة التي قصها عليه الملازم حتى أراد أن يأتي في الحال.

لم يكن الملازم في الحقيقة يتصل بالشيخ وهو يظن أن في ذلك علاج محمد، ولكنه أراد أن يعلم ما سيقوله الشيخ هل محمد ممسوس حقًا أم أنه مجنون يهلوس في كل ما رواه؟

قدم الشيخ إلى المركز، رآه الملازم  وقد غزت الأيام رأسه بسيوفها البيضاء، فرافقه إلى الحجز الذي فيه محمد، دخل الشيخ، وطلب من الملازم أن يتم تثبيت محمد جيدًا حين يبدأ في القراءة عليه.
نظر الشيخ إلى محمد نظرة المشفق عليه وهو يقول:

أين كنت طوال هذه المدة لمَ لمْ تتحصن بالقرآن؟
أجاب محمد:

لقد كنت في الجبل منذ عامين، ولم أر بشرًا في هذا الجبل إلا وقد قتل.

عند ذلك أخذ الشيخ مسح على رأس محمد، وبدأ في تلاوة آيات من القرآن الكريم بصوته العذب، وبينما هو يقرأ إذ اشتد صراخ محمد مما أفزع الجنود الحاضرين، عند ذلك رفع الشيخ صوته ثم قال:

أقسم بالله العظيم إن لم تخرجوا من جسد هذا المسلم لأحرقنكم بالقرآن الكريم.

لم يسمع الشيخ جوابًا لتهديده، فاستمر بالقراءة بصوت عالٍ، عند ذلك سمع صوت رجلٍ يبكي قائلًا:

أحرقت قدمي، توقف سأخرج الآن منه. توقف الشيخ عن القراءة، عند ذلك أكمل الجني قائلًا:

لقد أنعم الله على بني البشر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) فهي التي تعصمهم منا وتحمينا منهم، فلماذا لم يقلها هو وصديقه في الجبل وتسبب في قتل أحد أبنائنا؟

قال الشيخ:

إن هذا إنسان، والإنسان كثير النسيان، وهو لم يقصد، والآن اخرج من جسده.

قال الجني:

لا والله لن نخرج من جسده أبدًا.

استمر الشيخ في القراءة، فازداد صراخ الجني وبكاؤه، فزاد الشيخ في تهديده ووعيده بإحراقهم إن أصيب محمد أو من حوله بأذى.

أصر الملازم على استضافة الشيخ لتناول الطعام، فجلس الشيخ، ولكنه لاحظ أن محمدًا يأكل بسرعة، فضربه بشدة فأخذ يأكل بهدوء، بعد ذلك سأل الملازم الشيخ عن سبب ضربه لمحمد، فأجاب:

إن الذي كان يأكل ليس محمدًا بل الجني الذي يسكن فيه. عرفت ذلك من طريقة أكله السريعة بكلتا يديه، فلما ضربته هرب الجني، فأكل محمد بهدوء.

عند ذلك قال الملازم:
جزاك الله كل خير، عند ذلك قال الشيخ:

إني أريد إكمال القراءة على محمد لكن ليس عندي الوقت الكافي، سأعود بعد يومين لأكمل ما بدأته.

شكر الملازم الشيخ مرةً أخرى، وأوصله إلى الخارج ثم عاد لعمله.

تأمل محمد حاله فوجد نفسه وحيدًا مبتور القدم، فأخذ يبكي ثم تذكر شيئًا ما فزاد بكاؤه بشدة، لقد تذكر أن هناك شخصًا  آخر سيقتل أيضًا إذا ذكر التفاصيل التي ينوي ذكرها في التحقيق، فأخذ يبكي محتارًا ماذا يفعل بهذا السر الذي في صدره.

#مسيرة رجل

                                     totoaa59.blogspot.com