#حوار مع شاب
علي صالح طمبل
كان يرتدي بنطالاً قصيراً ناصلاً "سيستم"، ويرتمي في صدره سلسال فضي، وقد نكش شعره الكثيف دون تناغم، فاقترب منه ذلك الرجل الأربعيني، ثم قال له وهو يمد يده مبتسماً:
- أنا أحب الحديث مع الشباب لأنهم أمل الأمة وزخرها، ويشرفني أن أتعرف إليك وأتجاذب معك أطراف الحديث لدقائق، فهل تسمح لي بذلك؟
ابتسم الشاب وهو يصافحه وقال له في بساطة:
- لا مانع.
شكره الرجل، وتعرف إليه، ثم قال له:
- أنت معجب كما يبدو بالثقافة الغربية؛ لذلك تقلدها، أليس كذلك؟
- نعم بالتأكيد.
- جميل، لماذا؟
- لأن الثقافة الغربية هي انعكاس للحضارة الغربية التي تفوقت على غيرها من الحضارات، فمن الطبيعي أن نقلدها.
- ممتاز، إذن هذا يقودنا إلى سؤال آخر: ما هي القيم التي كانت سبباً في تفوق هذه الحضارة؟
- كثيرة، منها الإتقان، والصدق، والعدل، والشفافية، واحترام الوقت، وحب العمل.
- أحسنت، يعني هل يمكن أن نقول بأن هذه القيم هي التي تشكل جوهر الحضارة الغربية وركيزتها التي اعتمدت عليها في نهضتها؟
- نعم، بلا شك.
- طيب، في العادة يقلد الشباب والشابات الثقافة الغربية في أشياء من شاكلة حلاقة الشعر، لبس البنطال القصير، لبس الفساتين المحزقة، ويقتدون بقدوات من أمثال الممثلين والمطربين واللاعبين.
- نعم، صحيح.
- رائع، هذا ينقلنا إلى سؤال آخر: هل ما يقلده الشباب والشابات هو من جوهر الحضارة الغربية، وهل من يقلدونهم من الممثلين والمطربين واللاعبين هم قادة النهضة الغربية الحقيقيون؟
صمت برهة، ثم قال:
- للأسف لا.
- يعني بمعنى آخر: هل إذا قلدتُ ممثلاً أو مطرباً أو لاعباً في حلاقة شعره، أو في لبسه، أو في سلوكياته؛ أصبحتُ متحضراً وازددت علماً نافعاً وثقافة مفيدة، أستطيع أن أنفع أمتي وأسهم في رقيها ونهضتها؟
- لا بالطبع.
- إذن لماذا يقتدي شبابنا بهذه القدوات رغم أنهم ليسوا بناة النهضة الحقيقيين، ويتركون في المقابل البناة الحقيقيين من العلماء والخبراء والحكماء؟ ولا يلتفتون إلى قيم النهضة الحقيقية، من الإتقان، والصدق، والعدل، والشفافية، واحترام الوقت، وحب العمل؟!
ثم أردف:
- بتعبير آخر: لماذا يأخذون القشور والسفاسف، ويتركون اللب والجوهر، لماذا يتركون القدوات الحقيقية، ويتبعون القدوات الزائفة؟ وهل سيفيد هذا التقليد أمتنا في شيء، وهل سيرتقي بها في سلم النهضة الحضارية؟
أجاب الشاب دون تردد:
- لا أظن ذلك.
ثم أكمل كمن تذكر شيئاً نسيه:
- لكن السبب في اقتداء الشباب بهذه القدوات هو ظهور هذه القدوات المكثف في وسائل في الإعلام في مقابل التعتيم والإقصاء الذي يُمارس على القدوات الحقيقية.
- صدقت، لكن هل تعلم أن هذا التعتيم لم يأتِ اعتباطاً أو من قبيل الصدفة، بل هو مخطط ومدروس؟
- كيف؟
- نعم مخطط ومدروس، منذ أكثر من مائة عام، فقد جاء في البروتوكول الثالث عشر من بروتوكولات بني صهيون التي يسعى من خلالها اليهود للسيطرة على العالم: (ولكي نبعد الجماهير عن أن تكشف بأنفسها أي خط عمل جديد سنلهيها أيضاً بأنواع شتى من الملاهي والألعاب ومُزجيات للفراغ والمجامع العامة وهلم جراً، داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات: كالفن والرياضة وما إليهما، هذه المتع الجديدة ستلهي ذهن الشعب حتماً عن المسائل التي سنختلف فيها معه، وحالما يفقد الشعب تدريجاً نعمة التفكير المستقل بنفسه سيهتف جميعاً معنا لسبب واحد: هو أننا سنكون أعضاء المجتمع الوحيدين الذين يكونون أهلاً لتقديم خطوط تفكير جديدة).
- عجيب!
- وهذا يفسر تركيز الإعلام اليوم على حياة القدوات الزائفة من التافهين والتافهين، والفارغين والفارغات الذين لا بقدمون علماً نافعاً، أو فكراً ثاقباً، أو إبداعاً راقياً، وتسليط الضوء في المقابل على أخبار تافهة وملهية للأمم عما ينفعها ويصلحها ويجعلها تلتفت لقضاياها الجوهرية وتحدياتها الحقيقية، من شاكلة (قطة أو فستان المطربة الفلانية، تصفيفة شعر أو حلاقة اللاعب الفلاني، طلاق الممثل الفلاني من الممثلة الفلانية، سبب ضحكة المطربة الفلانية، بيع حذاء اللاعب الفلاني بمبلغ كذا وكذا،...إلخ)، وللأسف أغلب رواد مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي من الشباب والشابات يتابعون مثل هذه الأخبار!
- بالفعل.
- تأمل معي في عبارة (وحالما يفقد الشعب تدريجاً نعمة التفكير المستقل بنفسه) التي وردت في البروتوكول الثالث عشر، أليس هذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يوضح معنى عدم الاستقلال والاتباع الأعمى والمشي بروح القطيع شبراً بشبر وذراعاً بذراع: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً بذراع؛ حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) رواه البخاري، أي فمن غيرهم؟ وفي رواية: (جحر ضب خربٍ)
#حوار معا شاب
#مسيرة رجل
totoaa59.blogspot.com